إلى فاطم

كان من المفترض أن يكون بيننا لقاء في عمّان. في شهر سبتمبر من عام ٢٠٢٣. هي في معرض أحلامها، وصورها التي تجوب مدينة غير غزة وذلك المعرض كان الأول لها خارج أسوار المدينة. وأنا في بطولة غرب آسيا – فئة الشباب والرجال- للكاراتيه. 

كم ضحكنا حينما تلاقينا في مؤسسة تامر، ومحترف شبابيك، على الحدود، أخرجنا كل النار التي قدحت داخل صدرنا بالضحك

فالحدود لم تسمح لنا بالعبور فيها، لم يأخذ كلانا الموافقة الأمنية. 

لو أنّ الحدود سمحت لنا، ما كنتم ستعرفون فاطم. لم تكن ستحضر الإبادة حينها. والأهم من كل ذلك، لم يكن أحدًا منّا سيكتب لها الرثاء. لن تُخلّف وصيتها لحيدرة، ولا لموت مدوّي.

لو أن الحدود سمحت، كان موتها سيكون مُشتهى بعيدًا عن منّال سماء مدينتنا. أمهاتنا يخبروننا أن “لو” أداة الشيطان المُثلى للاعتراض على قدر الله. لكنّني استخدمها الآن لأرى فاطم دون موت. 

يُخبرونني بأنّهم لم يجدوا قطعا من جسدك، لم يجدوا رأسك. وأنا لم يُخيفني الموضوع كثيرًا، فأنا على يقين أنّه سبق كل جسدك إلى السماء، ليلحق طائراتهم ويغني لهم ” عصفور طلّ من الشباك”. كم سيزعجهم صوتك، موتك، حتى حياتك.

العزيزة فاطم، تحدثنا خلال الحرب أكثر من مرة، تحدثنا عن حلم اللقاء والتجمع مجددًا، وعن جمال المدينة التي تعرفيها وتعرفنا، وحبّك اللامشروط لها. إن أكثر ما يُزعجني في موتك أنّ الحياة كانت قريبة جدًا منك. أقرب بكثير من ذلك الموت.

فاطم، لا لغة حقيقة للرثاء، ولا معنى له ولا للبلاد دونك، دون صوتك الحنون. وعينك التي تلمع كلما تفتحت على سماء حب جديدة.

لماذا كل هذا الصمت؟
عهدتك منذ أول لقاء بيننا، تُحبين الكلام، لا تعرفين الصمت.
تنقلي عبير زهرك بين شتلات أفكارنا، كي تُثبتي معنى الحب داخلنا.. 

عهدتك صديقة ورفيقة مُثلى. 

وعهدنا أن نلتقي ونجتمع ذات يوم، وأنا أنتظرك هذه المرة، لأراك كما اعتدتك، موفية لنا ولعهدك.