أين البيت؟

أين البيت؟
هو سؤال يمحو سنا القمر من منتصف شهر هجري، يختزل صوت العصافير على عشّهم، يُغلق الستائر عن شرفة المطبخ
ليصير طعم الصباح علقمًا دون شعاع عين أمي. تنهمر من غرّة شلال الذكريات صورٌ كلاسيكية لبيتنا دون ملامح مثل عجوز تقطع الطريق وهي ترى النتوءات على الرصيف تتسع وتضيق بتأثير حدة الشمس وتنازعها مع الغيوم، أو أنّها فيلم لون البحر فيه رمادي مثل السماء وعين محبوبة البطل، أو هي قلبي
حين ارتجف للمرة الأولى فرحًا لأنّه نجا من الموت مصادفة.

أين البيت؟
أسأله لنفسي حين أزور خلوتي، أبتسم إلى الله كأنّي أرى وجهه، أرسلها لملائكة السماء كي يخبروه عنّي، عن بيتي، دون أن أسأله:
أين الصباح إن لم يكن عند حضن بيتي؟ ثم أمسح خدّي كي لا يحسدني أحد لأن غيمتي أمطرت. أسندُ رأسي على حافة الذكرى
كي يكون القفز منها أسهل، تسحبني داخلها شيئًا فشيئًا، وأرى غرفتي، وحائطي المملوء بالميداليات، ورسومات أصدقائي، ودون قصد أخبط على ذيل قطتي، تصرخ بمواء يجعلني أسقط لأرتطم بهذا الواقع.

أين البيت؟
أبحث عبر خرائط جوجل، رغم أنني لم أستخدمه قط في مدينتي، لم نكن نريد لشيء أن يُحفّظني الطريق إلى قلب حارات أمهات حياتنا، لأجد صورة غير مكتملة، فتُظهر عتاب الله عليّ، فابتسم لأتذكر قول أبي: “إلي بيحبك بيعاتبك”.

أين البيت؟
المشكلة ليست في إيجاد الإجابة، الكارثة أن يراودني هذا السؤال، وأنا الذي أحببت كل ركن في البيت.